مقالات
تحديات الهياكل التنظيمية لتجارة التجزئة
تحديات الهياكل التنظيمية لتجارة التجزئة
يمكن تشبيه الهيكل التنظيمي للمؤسسة بالهيكل العظمي للإنسان، فصحة الهيكل التنظيمي للمؤسسة دليل على صحة هذه المؤسسة والعكس صحيح، ولقد تعددت أشكال الهياكل التنظيمية وتطورت في محاولة لتحسين الأداء والاتصال والعملية الإدارية ككل في المؤسسات، وذلك حسب الدراسات والبحوث العلمية الحديثة.
ويعدُّ ضعف الهيكل التنظيمي أو انعدامه لكثير من تجار التجزئة تحديًا كبيرًا لهذا القطاع المهم والحيوي، ويلاحظ هذا الضعف من خلال افتقار غالبية تجار التجزئة لوجود هيكل تنظيمي رسمي يبين السلطات والمسئوليات وخطوط الاتصال بين أجزاء الشركة، وإن وجد تره لا يعكس الواقع التشغيلي للشركة، وهذا بالضرورة سيؤدي إلى تداخل الصلاحيات وعدم وضوح المرجعيات والمسئوليات المرتبطة بالمراكز الوظيفية. وعندما نتحدث عن تجار التجزئة فإننا نتحدث عن عمليات متنوعة في أماكن جغرافية متعددة وفرق عمل من تخصصات مختلفة.
وللوقوف عند هذه المشكلة لا بد من توضيح بعض المفاهيم المهمة
- مفهوم تجارة التجزئة: من نافلة القول أنها وسيلة مهمة جدًا لكسب الأموال " قديمًا وحديثًا "، وهي عملية اقتصادية مهمة جدًا لجميع الناس سواء للبائع أو للمشتري، حيث إنها تعمل على توفير الاحتياجات التي تلزم الناس على اختلاف أنواعهم.
تعدُّ تجارة التجزئة " الحلقة قبل الأخيرة من المنتج للمستهلك، وهي تعدُّ من أهم حلقات تسويق السلعة لأنها المكان الذي سيستلم منه المستهلك السلعة، ومن ثمَّ فإنها تتطلب إيلاءها الاهتمام الكافي، وفي الظروف العادية يمكن القول إن سلسلة تدفق السلع من أول تصنيعها وحتى استهلاكها تكون على الشكل الآتي:
وهنا ليس بالضرورة توافر جميع حلقات السلسلة حتى يتم استهلاك السلعة, فمثلًا ليس ضروريًا وجود مستورد إذا كنا نتحدث عن تجارة في بلد هي البلد المنتج للسلعة .
مما سبق تتضح الأهمية المتنامية لتجارة التجزئة, ومعها تزداد الحاجة إلى وجود هيكل تنظيمي يأخذ بعين الاعتبار جميع عناصر العمليات في تجارة التجزئة وبشكل يتوافق مع الاستراتيجية الخاصة بالشركة وأنشطتها الأساسية وبما يضمن سلامة العمليات وفق قواعد الحوكمة والإدارة الرشيدة .
وللوقوف عن كثب على أنواع الهياكل التنظيمية التي يمكن أن تتبعها شركات التجزئة وفقًا لطبيعة نشاطاتها وبما يحقق لها أفضل عائد مستدام:
الهيكل الوظيفي : ( Functional Structure )
وفيه يتم تجميع كل تخصص وظيفي في إدارة واحـدة، فيكـون هنـاك مديـر مالـي ومديـر إنتاج ومدير تسويق ومدير موارد بشرية....إلخ، ومن مزايا هذا الهيكل أنه اقتصادي وكل شيء فيه مركزي، ويستفيد كل موظف من خبرات زملائه في التخصص نفسه لأنهم يعملون في الإدارة أو القطاع نفسه.
إلا أن هذا الهيكل لا يخلو من العيوب التي يقف على رأسها قلة المرونة وسوء العلاقة بين التخصصات المختلفة، وكذلك طـول الهــرم الوظيفي بمعنى أن مستويات الإدارة كثيرة.
الهيكل التنظيمي على أساس المنتج : ( Product )
يتم تقسيم أوجه النشاط حسب المهنة أو السلعة، ويُقسم النشاط الذي يقوم بـه، مثلًا مصنع ينتج السلعة (أ) والسلعة (ب)، كل نشاط في مجموعة، ومن مزايا هذا التقسيم أنه يستفيد من الخبرة المتخصصة بالسلعة على أكمل وجه، ويمتاز كذلك بالتنسيق الكامل بين العمليات المختلفة مثل الشراء والإنتاج والتخزين والبيع ويمكن بسهولة تحديد المسؤولية خاصة بالنسبة لكل منتج.
ومن عيوب هذا التقسيم صعوبة الحصول على الكادر المؤهل القادر على إدارة جميع العمليات داخل المنشأة و صعوبة التنسيق بين عمليات الشراء المتعـددة.
الهيكل التنظيمي الجغرافي : Departmentalization by Territory
تنشأ الحاجة إلى تطبيق الأساس الجغرافي في التنظيم عندما تتعامل المنشأة مع أسواق وأقاليم متعددة ومتميزة من حيث الأذواق والحاجات، عندئذٍ تمثل كل وحدة جغرافية وحدة تنظيمية قائمة بذاتها، ووفقًا لهذا التقسيم تنشأ في كل منطقة جغرافية وظائف التمويل والإنتاج والتسويق, ويصلح هذا التنظيم للشركات المتعددة الجنسيات التي لها أنشطة في بلدان عدة، حيث إن مثل هذا التنظيم يساعد أفرع الشركات في التفاعل مع الأذواق والتفضيلات والمستويات الحضارية المتفاوتة بكفاءة, أما بالنسبة لمزايا هذا التقسيم فإنه يكون بالإمكان اتخاذ القرارات فيه بالسرعة التي تناسب الحدث, وسهولة تنسيق العمليات المختلفة بالموقع الواحد, لأن اهتمامات المدراء ستكون منصبَّة على مناطقهم المحلية التي تقع داخل نطاق اختصاصاتهم ، كما يتيح هذا التقسيم الاستفادة من ميزات انخفاض التكلفة التشغيلية في بعض المناطق, ويفتح نافذة أوسع للتدريب واكتساب المهارات, ولا يفوتنا الإشارة إلى إمكانية التهرب من القوانين الصارمة في بعض الدول.
ولعل أهم عيوب هذا التقسيم هو وجود احتمال إساءة استخدام الإداريين في المناطق للسلطات الممنوحة لهم و اتباعهم سياسات تخالف السياسات التي يسير عليها المركز الرئيس، كما تظهر الحاجة إلى وجود كفاءات إدارية وقيادية، وكذلك سياسات رقابية إدارية فعالة على مختلف المواقع.
الهيكل التنظيمي المصفوفي
وفيه يتم تقسيم العاملين حسب الوظائف في هيكل وظائفي، وكذلك يتم اختيار مسئول عن كل منتج بحيث يكون أيضًا مديرًا لعاملين في وظائف مختلفة، بالطبع في هذه الحالة قـد يكـون للموظف رئيسان.
مثال : ممكن أن يكون لدينا هيكل وظيفي ثم نعين مديرًا لكل منتج, بعض الموظفين سيكون لهم اثنان من المديرين: مدير إداري ومدير إنتاج، هذا النوع يحاول الحصول على فوائد الهيكل الوظيفي ومع ذلك يصعب تطبيقه بسبب ازدواجية السلطة ، هذا الشكل مفيد جدًا للشركات متعددة الجنسيات , ومن المهم أن نضع في الاعتبار كل قرار إداري بما له وما عليه.
ومن أهم مزايا هذا التقسيم أنه يجمع الكثير من مميزات كلٍّ من التنظيم الوظيفي والجغرافي إلا أن أحد أبرز عيوبه تكمن في صعوبة تنظيم العمل بالنسبة للعاملين الذين يتبعون رئيسين.
هذا ومن المهم بمكان الإشارة إلى أن هناك العديد من التقسيمات الأخرى التي تأخذ بعين الاعتبار العملاء وفرق العمل.... إلخ من الهياكل المستحدثة التي تأتي استجابة فعلية لحاجة الشركات ورؤيتها والاستراتيجية التي تتبعها.
قضية جوهرية
لذا من المهم التأكيد مرة أخرى على نقطة جوهرية ومهمة تعانيها شركات التجزئة والتي يجب أن تأخذها بعين الحسبان عند إعداد الهيكل التنظيمي, وهي ضرورة أن يترافق مع إعداد الهيكل التنظيمي إعداد وصف وظيفي لكل المهام الرئيسة الداخلية من خلال توصيف للإدارات الرئيسة من مجلس الإدارة مرورًا بالمراجعة الداخلية فالمدير التنفيذي حتى الإدارات التنفيذية الرئيسة والوحدات المختلفة من تسويق وموارد بشرية، لأن عدم التوصيف يقودنا إلى المشكلة الأزلية التي تعانيها الشركات مهما اختلف حجمها أو تغير وضعها القانوني, ألا وهو الخلط بين مهام مجلس الإدارة ومهام الإدارات التنفيذية خصوصًا المدير التنفيذي, أي عدم الفصل بين المهام الاستراتيجية والتخطيطية والمهام التشغيلية.
فعدم وضوح المهام العامة والتفصيلية لمجلس الإدارة والإدارات التنفيذية ومنها المدير التنفيذي وتوثيقها وإقرارها يؤدي إلى تداخل في المهام، وهذه من الأخطاء الشائعة والمشكلات المشتركة التي تواجه الشركات.
ختامًا
وأخيرًا نقول: إن أحد الأسباب الرئيسة لضعف الهيكل التنظيمي لشركات التجزئة والشركات عمومًا هو افتقاد هذه الشركات للكفاءات المتخصصة القادرة على إعداد هذه الهياكل واعتمادها من الإدارة العليا، ولكن هذا لا يعدُّ مبررًا مقنعًا، حيث يمكن الاستعانة بالشركات الاستشارية المتخصصة في إدارة الموارد البشرية وهي موجودة ومعروفة، ولقد أسهمت بكه للتدريب والاستشارات في بناء الهيكليات لشركات بيع تجزئة عملاقة في المملكة مما كان أثره واضحًا بشكل كبير على أداء هذه الشركات وربحها.
فريق بكه للتعليم والاستشارات